تلخيص نص هجم الربيع؟
التلخيص :
هجم الربيع !
بهاتين الكلمتين حيّاني أمس أحد الجيران . وكانت أجمل تحيّة . فقد حاصرنا الشتاء في هذه السنة حصاراً طويلاً قاسياً استنفد كلّ ما اختزنّاه من الوقود . حتى أصبح الناس , عند التلاقي , لا يتساءلون عن الحال والعيال , ويتساءلون عن الفحم والحطب : أباقٍ عندكم حطب ؟ أيابس حطبكم أم أخضر ؟ ــ لقد سئم الجميع روائح الفحم والدخان , وسئموا حتى زغارد النار في الحطب . وقد اشتاقت عضلاتهم إلى الحركة والعمل , وملّت أبصارهم التطلّع إلى الجدران والسقوف , وباتوا يتبرّمون بالأمطار والثلوج تنقضّ عليهم من سماء غضبى لا يلطِّف من غضبها شعاع شمس أو بسمة قمر أو غمزة نجمة .
وأخيراً أطلّت الشمس علينا من فوق صنّين لتتولّى بذاتها قيادة الهجوم المبارك ــ هجوم الربيع . فكان البردُ أوّل ضحاياها . وجاء دور الثلج ــ حليف البرد الأعند والأشدّ . وها هو تنهار عزيمته , وتتصدّع صفوفه , ويثخن صدره بالجراح , ويميع قلبه فينحدر من الأعالي شلالات تدفع شلالات . وفي انحداره من الأعالي واندفاعه نحو البحر يأتيك بالعجيب من الأغاني . فكأنّه , وهو الهارب من الميدان , يعدّ الهرب ضرباً من البطولة فيُسمعك من الأهازيج ما لا تملّه أذنك ولا ترتوي منه روحك .
وبانهزام جحافل الثلج جحفلاً إثر جحفل تنكشف عورة الجبال من حولنا ساعة تلو ساعة ويوماً بعد يوم . ففي جلابيبها البيض تبدو خروق لن تجد لها راتقاً . وهذه الخروق تتّسع إلى أن تتقلّص الجلابيب في خلال شهور معدودة فلا يبقى منها خيط أو سريدة .
وبانهزام البرد والثلج تتنفّس أرضنا الصعداء ويأخذ وجهها الأجرد يكتسي بزغب من الخضرة الحيية . وهذه الخضرة الحيية لا تلبث أن تختصب بجميع ألوان قوس السحاب عندما تنبري الأزاهير من مخابئها وتنتثر على ضفاف السواقي , وفي الحقول والكروم والبساتين , وعلى جوانب الطرق , وحتى في شقوق الصخور . أما اتّفق لك أن رأيت (( بخور مريم )) يرنو إليك بطرفه الناعس من شقّ صخرة ؟
وإذ تتنفّس أرضنا الصعداء يُقبل عليها عشّاقها بالمعول والمجرفة , وبالرفش والمحراث . وهو ضرب من الغزَل والبوح بالشوق ما أتقنه ولا فهم بعيد مغازيه ومراميه غير عشّاق الأرض . ويسكرك منظر السواعد المفتولة تقلب التراب رأساً على عقب . مثلما تسكرك رائحة التراب البكر يحملها النسيم مضمَّخة بأنفاس الأرض الحنون ومحبّتها وجودها . وترى الناس ذكوراً وإناثاً , كباراً وصغاراً , يكبّون على التراب البكر ليودعوه بذار آمالهم بالموسم الآتي ــ بذار اللوبياء والبطاطا والبندورة والحمّص وغيرها وغيرها من عشيرة البقول والحبوب . وترى الشمس تباركهم من فوق وتسكب عليهم فيضاً من النُّور والدفء والعافية .
هذا المتاح حتي الان