كأنما البيان سحر: سحر الكلمات وبلاغة المعنى
إن تشبيه البيان بالسحر تعبير قديم دأب عليه العرب قديماً، لما رأوا من تأثيره العميق على القلوب والعقول. فكما يُسحر الساحر بيده ويُذهل العقول، كذلك يُمكن للكلام البليغ المُتقن أن يُسحر سامعه ويُلقي عليه سحره، فيُغيّر أفكاره ويُحرّك مشاعره ويُقنعه بما يريد.
ولعلّ من أبرز خصائص البيان السحري ما يلي:
اختيار الكلمات المُعبرة والمُؤثرة: فالكلمة المُختارة بعناية تُلامس المشاعر وتُثير الأحاسيس، وتترك أثرها العميق في النفس.
استخدام المُحسنات البديعية: تُضفي المُحسنات البديعية على الكلام سحرها الخاص، فتُضفي عليه الجمال والروعة، وتُثير الدهشة والإعجاب في نفس السامع.
وضوح المعنى وسلاسة الأسلوب: لا ينفع سحر الكلام إن لم يكن المعنى واضحاً والسّياق سلساً، فغموض المعنى يُفقد الكلام تأثيره ويُضعفه.
صدق المشاعر وصدق التعبير: لا ينبع سحر الكلام الحقيقي إلّا من صدق المشاعر وصدق التعبير، فالسامع يُدرك بحدسه إن كان المتحدث صادقاً في مشاعره أم مُتكلّفاً.
قوة التأثير والإقناع: يُقاس سحر الكلام الحقيقي بقدرته على التأثير والإقناع، فالكلام البليغ يُمكنه أن يُغيّر أفكار السامع ويُحرّك مشاعره ويُقنعه بما يريد.
ولكن، من المهم أن نُفرّق بين سحر البيان الحقيقي وسحر الساحر المُزيّف. فالسحر الحقيقي ينبع من قوة الكلام وجماله وصدقه، بينما ينبع سحر الساحر المُزيّف من الخداع والتضليل.
أمثلة على سحر البيان في الأدب العربي:
خطب الإمام علي بن أبي طالب: تُعدّ خطب الإمام علي من أروع الأمثلة على سحر البيان، لما فيها من قوة التأثير وجمال المعنى وصدق المشاعر.
شعر المتنبي: اشتهر المتنبي بقدرته على استخدام المُحسنات البديعية وإبداع الصور الشعرية المُؤثرة، مما جعل شعره يمتاز بسحره الخاص.
مقامات الحريري: تُعدّ مقامات الحريري من أروع الأمثلة على سحر السرد القصصي، حيث يُوظّف الحريري مهاراته اللغوية وخياله الخصب لخلق قصصٍ مُشوّقة تُسحر القارئ.
خاتمة:
إنّ سحر البيان قدرةٌ عظيمةٌ يُمكنها أن تُغيّر حياة الناس وتُصنع التاريخ. فالكلام البليغ المُتقن يُمكنه أن يُلهم الناس ويُحرّك مشاعرهم ويُقنعهم بما هو حقّ وخير.
