في الصفحة 68 من كتابه "قصة الحضارة"، يقدم ويل ديورانت أطروحة مثيرة للجدل حول تأثير البيئة على التاريخ. يقول ديورانت: "إن البيئة هي قوة محددة للتاريخ، وأن الجغرافيا هي أم الحضارات". ويستند ديورانت إلى أمثلة من الحضارات القديمة والحديثة لإثبات نظريته، مثل مصر والهند والصين واليونان وروما والإسلام وأوروبا. ويزعم ديورانت أن البيئة تحدد موارد الشعوب وطرق حياتهم وشخصياتهم وفكرهم وفنهم ودينهم وسياستهم.
إلا أن هذه الأطروحة تواجه إشكالاً كبيراً في تفسير التاريخ بشكل مبسط ومقطع. فالبيئة ليست العامل الوحيد أو الرئيس في تشكيل الحضارات، بل هناك عوامل أخرى مهمة، مثل التفاعل بين الشعوب المختلفة والتأثير المتبادل بين الثقافات المتنوعة. كما أن البيئة لا تحدد بشكل حتمي سلوك الإنسان، بل يمكن للإنسان أن يغير بيئته أو يتكيف معها بإبداع وابتكار.
وأخيراً، فإن البيئة لا تثبت بشكل ثابت، بل تتغير بفعل عوامل طبيعية أو بشرية، مما يؤثر على تطور الحضارات. لذلك، فإن أطروحة ديورانت تحتاج إلى مراجعة نقدية لإدراك تعقيدات التاريخ وتنوعاته.