تقديم نص المغلوب مولع أبدا بالإقتداء بالغالب هو موضوع يستحق الدراسة والتحليل، فهو يعكس حالة نفسية واجتماعية تنشأ عند الشعوب التي تخضع لسيطرة أخرى. هذه الحالة تتمثل في تقليد الشعب المغلوب للشعب الغالب في كثير من جوانب الحياة، مثل اللباس واللغة والفن والدين والسياسة.
والسبب في ذلك هو اعتقاد الشعب المغلوب بأن الشعب الغالب هو أكمل وأفضل منه، وأن انقياده له ليس بسبب ضعفه أو خطأه، بل بسبب كمال الشعب الغالب وحكمته. وهذا يؤدي إلى فقدان الشعب المغلوب لهويته وثقافته وقيمه الأصيلة، وإلى اندماجه في ثقافة الشعب الغالب أو تقديمها على ثقافته.
هذه المقولة قد أوردها العلامة ابن خلدون في مقدمته التاريخية، وأشار إلى أن هذه الظاهرة قد حدثت في تاريخ الشعوب المختلفة، وأنها تخضع لسنن إلهية في تداول الأيام والأحوال بين الناس. وقد أورد ابن خلدون أمثلة على ذلك من تاريخ المسلمين وغيرهم، مثل تشبه المغاربة بالأندلسيين، وتشبه الأندلسيين بالجلالقة (الفرنجة)، وتشبه الأطفال بآبائهم، وتشبه المتعلمين بمعلميهم.
كما قال ابن خلدون: "ولذلك ترى المغلوب يتشبه أبدا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتخاذها وأشكالها، بل وفي سائر أحواله... وتأمل في هذا سر قولهم: العامة على دين الملك، فإنه من بابه إذ الملك غالب لمن تحت يده، والرعية مقتدون به لاعتقاد الكمال فيه اعتقاد الأبناء بآبائهم والمتعلمين بمعلميهم".
ولكن هذا لا يعني أن هذا التقديم نص هو حكم نافذ أو قانون ثابت، فإن التاريخ يشهد على أن هناك شعوبا مغلوبة استطاعت أن تحافظ على هويتها وثقافتها رغم السيطرة